لماذا تخفون الفيديو من حاجز قلنديا؟، بقلم: ناضل حسنين
إن ما حدث الأربعاء الفائت في محيط حاجز قلنديا الى الشمال من القدس الشرقية، لا يمكنه ان يبقى في قلنديا طويلا ولا بد ان يظهر على الملأ بكل تفاصيله، لأن مقتل الأم الشابة مرام إسماعيل ابنة 23 عاما وشقيقها صالح ابن 16 عاما، في الحاجز العسكري هناك، لا يزال يثير الشكوك ويطرح التساؤلات التي تضع قوات الامن الإسرائيلية في خانة الاتهام.
ان رفض الشرطة نشر التسجيل المصور لحقيقة ما حدث في حاجز قلنديا العسكري، والذي التقطته، بلا شك، عدسات الكاميرات المنتشرة في ارجائه، يزيد من الشبهات بأن ما يدعيه الجيش حول هذه الواقعة ليس سوى كذبة كبرى يحاول بها تبرير جريمة قتل راح ضحيتها شاب وشقيقته بدون اقتراف أي ذنب، سوى كونهما فلسطينيين.
كما لا يمكن القبول بادعاء الشرطة بأنها تتحفظ على نشر التسجيل المصور لضرورات التحقيق في الواقعة، لأن هذا الادعاء يناقض كليا المتبع في حوادث مماثلة، حين كانت تسارع الشرطة الى نشر ما التقطته كاميرات المكان بغية إزالة أي شبهات عن تصرفات عناصر الجيش والشرطة في المكان. ولكن يبدو ان نشر الفيديو عادة يأتي سريعا فقط حين يكون في ذلك خدمة لمصلحة الجيش ويختفي كليا حين يكون في ذلك إدانة لتصرف عناصر الجيش، ونحن الآن بصدد اخفاء الفيديو، فنترك خلاصة هذا التصرف لنباهة القارئ.
ولو نظرنا الى الحدث من زاوية محايدة، دون اقحام عنصر الانتماء لهذا الطرف او ذاك، فإن على الجهات المسؤولة، وفي حالتنا على الشرطة، ان تنشر الفيديو بأسرع ما يمكن استجابة لمتطلبات القانون التي تنص على حق المواطن المقدس بالمعرفة، ولذا فمن حقنا ان نعلم كيف قتل الاخوان مرام وصالح وهل حقا، كما يدعي الجيش، كان لا بد من استخدام السلاح ضدهما؟ وهل تم استخدام السلاح بما يتناسب مع مدى الخطورة التي طرأت في المكان، في حال طرأت خطورة كهذه أصلا!
ومما يزيد من الشبهات حول تصرفات الجنود ورجال الحراسة الذين تواجدوا في الحاجز العسكري، هو ان مرام إسماعيل ام لطفلتين صغيرتين وانها حامل بطفلها الثالث وهي برفقة شقيقها الأصغر بدت في الحاجز العسكري كمن تريد الاستفسار من الجنود عن امر ما، وفق ما قال شهود عيان فلسطينيون، وانها دخلت راجلة محيط الحاجز العسكري في ممر المركبات وليس ممر المشاة وانها لم تقترب أصلا من الجنود وانما تم اطلاق النار عليها من مسافة نحو عشرين مترا وان شقيقها صالح الذي شاهد شقيقته تخر على الأرض مضرجة بدمها امام ناظريه، حاول جرها جانبا لينقذها، فأكمل الجنود ما بدأوه واطلقوا النار عليه هو الآخر فسقط جاثما فوق شقيقته ينزف دما.
ووفقا لشهادة فلسطينيين تواجدوا في المكان، لم يسمح الجنود في الحاجز العسكري لأطقم الإسعاف الفلسطينية التي وصلت المكان في الحال، من الاقتراب من الشقيقين الجريحين، وابقتهما ينزفان حتى فارقا الحياة. كل هذا من المفروض ان يكون قد حفظته التسجيلات بكل تفاصيله، ولا مجال لنفي ما قد تظهره الكاميرات.
من ناحية أخرى، لو افترضنا ما يدعيه الجنود في المكان صحيحا بأن مرام أخرجت سكينا من حقيبتها والقتها باتجاه الجنود، فهذا لا يبرر إطلاق النار عليها وعلى شقيقها من بعدها لأن القاء السكين من مسافة كبيرة كهذه لا يعني تهديد الجنود ولا حتى وجود خطر بعدما القت مرام “بسلاحها” السكين وبقيت عزلاء.
ان الكشف عن التسجيل المصور للواقعة بات ضروريا أكثر من ذي قبل، لأن ما نشر عن التحقيق الاولي لما حدث كشف ان أحد الجنود لجأ الى إطلاق النار في الهواء عملا بالتعليمات الخاصة بـ”اعتقال مشتبه”، وانه في هذه اللحظة بالذات استل احد الحراس التابعين لشركة حراسة إسرائيلية تعمل على مساعدة الجنود في الحاجز، بندقيته واطلق النار مباشرة على مرام ومن ثم على شقيقها.
لو سئلت عما جرى وفقا لتقديري لاعتبرت مقتل مرام وشقيقها حلقة من سلسلة جرائم تقع يوميا بحق الفلسطينيين عند الحواجز العسكرية وفي الطرقات ولكن ما من اثباتات تدين الجنود وتصرفاتهم الاجرامية لأن الشرطة العسكرية الإسرائيلية عادة تصدق ما يدعيه الجنود في تقاريرهم حول تفاصيل هذه الوقائع، وهي قد تراجع مواقفها فقط في حال توفر ما يتعارض مع فحوى هذه التقارير بصورة قاطعة مثل توثيق ما حدث من خلال التصوير. ورغم هذا يبقى هناك تعاطف المحقق الذي ينسف عنصر النزاهة في مثل هذه الحالات وخير دليل على ذلك “الجندي البطل” اليئور ازاريا الذي قتل بدم بارد الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف وهو ملقى على الأرض ينزف دما في الخليل منذ اسبوعين.
لقد مر قرابة أسبوع على واقعة حاجز قلنديا، ولا يزال التسجيل المصور لمقتل الشقيقين “معتقلا” في مكاتب الشرطة بدعوى التحقيق، وهذا بحد ذاته بات تأكيدا قاطعا بأن ما وقع جريمة يحاول الجانب الإسرائيلي التستر عليها امام الرأي العام في البلاد والعالم رغم انه قد يجري تحقيقا داخليا حولها، وبالتالي قد يفرض عقوبة هزيلة على القاتل، ليظهر امام العالم كمن يعاقب كل من يشوه “الاخلاق الرفيعة” للجيش الإسرائيلي وليس لأنه قتل شقيقين فلسطينيين بريئين في عز شبابها ويتّم طفلتين لا ذنب لهما.
أتحدى جهات التحقيق في الواقعة ان تخرج على الملأ بما لديها من حقائق حول ما حدث في حاجز قلنديا بالفعل، لأن ما حدث هناك هو جريمة متكاملة الأركان بالاستناد الى التفاصيل المتوفرة لغاية الآن، وإذا كان لدى الجيش ما ينفي هذا فلينشر التسجيل المصور على الفور وألا فهو يتستر على جريمة ستتكشف تفاصيلها آجلا أم عاجلا.
رواط ذات صلة: