حماس وايران وحزب الله – بقلم: عبد الباري عطوان
تعيش حركة المقاومة الاسلامية ‘حماس′ مأزقا حرجا هذه الايام يفرض عليها ان تقدم على خيارات صعبة للغاية قد تخلق لها الكثير من المتاعب التي هي في غنى عنها في ظل حصار اسرائيلي خانق وازمة مالية متفاقمة.
الحرب السورية المتأججة منذ اكثر من عامين وشهرين هي سبب هذا المأزق، لان حركة ‘حماس′ كانت تعيش وضعا اقرب الى المثالية قبلها، حيث كانت تتمتع بوضع خاص في وسط محور الممانعة، وتستفيد من دعمه ومساندته ماليا وعسكريا وسياسيا، لكن انفجار الانتفاضة الشعبية المطالبة بالاصلاحات واحترام حقوق الانسان فرض على قيادة الحركة ان تختار احد معسكرين، فاما الوقوف في صف النظام، والبقاء تحت مظلته، واما الوقوف في خندق المعارضة ومن ثم الرحيل.
قيادة حركة حماس بزعامة السيد خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي فضلت الرحيل من دمشق، والانضمام الى المعسكر الاصولي السني، متماهية مع رموز هذه مثل الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار العلماء، وحركة الاخوان المسلمين.
كان واضحا ان هذه القيادة راهنت على احتمال سقوط النظام السوري في غضون اسابيع، او اشهر معدودة اسوة بما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، لكن صموده لاكثر من عامين فاجأها، مثلما فاجأ العديد من الانظمة العربية والغربية على حد سواء.
انحياز حماس الى ‘المعسكر السني’، الذي تقوده دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا ادى الى انهيار علاقاتها مع المحور السوري الايراني مصدر الدعم المالي والعسكري الاساسي لها على مدى السنوات العشرين الماضية على الاقل، وتدهور علاقاتها التحالفية الاستراتيجية مع ‘حزب الله’ الذي شكل مظلة اساسية لها في لبنان، بل داخل قطاع غزة، ووفر لها التدريب والسلاح.
معركة القصير الاخيرة التي انتصر فيها الجيش السوري بمساعدة اساسية من مقاتلين تابعين لحزب الله، جعل حركة ‘حماس′ تخرج عن صمتها ونهجها الدبلوماسي في عدم الاساءة لحلفائها القدامى، وانعكس ذلك بجلاء في البيان الذي اصدرته قيادتها يوم امس، وانتقدت فيه بشدة تدخل حزب الله في سورية، ومشاركته في القتال في مدينة القصير وطالبته بسحب قواته على الفور من الاراضي السورية.
ولعل النقطة الابرز في هذا البيان اعتبار حماس تدخل حزب الله في معركة القصير اسهاما في زيادة الاستقطاب الطائفي في المنطقة، وهي نقطة مثيرة للجدل علاوة على كونها ستزيد من غضب حلفائها القدامى الذين سيقولون انهم عندما احتضنوها، وهي السنّية البحتة لم ينطلقوا من منطلقات او اعتبارات طائفية.
اللافت ان بيان حركة ‘حماس′ الذي صيغ بعناية فائقة تزامن مع تزعم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار العلماء المسلمين اجتماعا انعقد في القاهرة، وضم مجموعة من العلماء السنة في مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي، وطالب في بيانه الختامي باعلان الجهاد في سورية لاسقاط النظام الحاكم. مثلما تزامن ايضا مع اعلان حركة الاخوان المسلمين في مصر دعم هذا الجهاد، واقدام الرئيس محمد مرسي على قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري واغلاق سفارته في القاهرة وسحب القائم بالاعمال المصري من دمشق.
من الواضح ان حركة حماس حسمت امرها بالكامل وقررت قطع كل علاقاتها مع حلفائها القدامى والانضمام الى معسكر ‘الاعتدال’ العربي، وهو معسكر قريب لامريكا، وكل محاولاتها لنفي اي تحالف مع امريكا ستقابل بالشكوك بالتالي حتى وان كان هذا النفي صحيحا. فاعداؤها كثيرون يتصيدون اخطاءها.
حركة حماس استمدت الكثير من مصادر قوتها وازدياد شعبيتها من كونها تقف في معسكر المقاومة والممانعة، بينما تقف السلطة الفلسطينية خصمها التقليدي في المعسكر الامريكي ويبدو ان هذا التمايز بدأ يتآكل حاليا، وبات طرفا المعادلة الفلسطينية في حضن معسكر الاعتدال العربي، الذي يحظى برعاية امريكا ودعمها.