تفاصيل جرائم نتنياهو “المفترضة”
وسط التكهنات السياسية اللا نهائية والادعاءات المتعددة حول سلوكه من كافة الاطياف السياسية، بقى المستشار القضائي الاسرائيلي افيخاي ماندلبليت شبه صامتا بخصوص الاتهامات ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ اطلاق الشرطة تحقيقاتها ضده قبل اكثر من عامين.
وتحدث ماندلبليت أخيرا، معلنا في ملف طوله 57 صفحة عن تخطيطه توجيه لوائح اتهام ضد نتنياهو تشمل عدة تهم مفترضة في ثلاث قصايا منفصلة.
وفي خطوة تهز السياسة الإسرائيلية اقل من ستة اسابيع قبل الانتخابات العامة، قال ماندلبليت أن نتنياهو سيواجه لوائح اتهام، بانتظار جلسة، بتهم الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة.
وتنطبق تهمة “الاحتيال وخيانة الامانة” على موظفين حكوميين قوضوا قدرتهم على العمل من أجل المصلحة العامة، بحسب البروفسور باراك مدينة، عميد كلية القانون السابق في الجامعة العبرية.
“لا يتوجب أن تتلقى أموالا أو تحصل على خدمات كي تكون مذنبا، لا يتوجب عليك حتى أن تتباحث ذلك”، قال مدينة. “إن تعرض نفسك بشكل فعال لخطر عدم العمل من أجل المصلحة العامة هو تعريف الاحتيال وخيانة الامانة”.
ولكن تعتبر تلقي الرشوة جريمة أخطر، ويضاف اليها “الفساد الاخلاقي” – الذي يعرفه القانون “كعمل أو سلوك ينتهك بشدة موقف أو معايير المجتمع المتعارف عليها” – الذي يمنع السياسيين من الترشح لمناصب لمدة سبع سنوات بعد انتهاء حكم بالسجن او الخدمة الاجتماعية.
في ملف “الاعلان عن شبهات” الذي تم تسليمه الى نتنياهو وطاقمه القانوني يوم الخميس، يفصل ماندلبليت عدة مخالفات “ارتكبها رئيس الوزراء الاسرائيلي خلال الفترة التي كنت فيها موظف حكومي”.
القضية 1000: ’تضارب مصالح خطير’
في القضية 1000، التي تدور حول اتهامات بحصول نتنياهو على هداسا وخدمات من مانحين اثرياء، منهم المنتج الهوليوودي الإسرائيلي الاصل ارنون ميلشان، والمستثمر الاسترالي جيمس باكر، مقابل خدمات، قال ماندلبليت انه ينوي اتهام نتنياهو بالإحتيال وخيانة الأمانة، واغلاق القضية ضد ميلشان في المقابل.
وبحسب ماندلبليت، نتنياهو متهم بـ”تضارب مصالح خطير بين التزاماتك اتجاه مانحين والتزاماتك اتجاه الجماهير”. وقال أن رئيس الوزراء الاسرائيلي وزوجته حصلوا بحسب الافتراض على هدايا تصل قيمتها 701,146 شيقل، 477,972 منها سيجار، شمبانيا ومجوهرات من ميلشان، و229,174 شيقل سيجار وشمبانيا من باكر.
“اضافة الى العلاقات الودية بينكم حصلت على عدة خدمات، أحيانا ردا على طلباتك المحددة… احيانا قدمت لك هذه الخدمات من أجل التأثير على موقفك العام كرئيس وزراء”، كتب ماندلبليت.
وقال المستشار القضائي أن هناك ثلاث حالات استخدم فيها نتنياهو منصبه كرئيس وزراء لدفع مصالح ميلشان: مساعدته في الحصول على تأشيرات اقامة في الولايات المتحدة؛ العمل من أجل تمديد قانون اعفاء ضريبي غير معروف يخدم مصالح المنتج الهوليوودي؛ والعمل من دفع مصالح ميلشان الاستثمارية في القطاع الإعلامي الإسرائيلي.
والتعديل 168 لمرسوم الضرائب هو ظاهريا تشريعا يهدف لتشجيع الـ”عاليا” (هجرة اليهود الى اسرائيل)، وتمت المصادقة على التعديل 168 لمرسوم ضريبة الدخل في سبتمبر 2008 من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي حينها ايهود اولمرت. وفي صورته الحالية، انه يمنح اعفاء ضريبي لمدة 10 سنوات للدخل من الخارج لمهاجرين جدد وسكان عائدين عاشوا في الخارج لعشر سنوات على الاقل. اضافة الى ذلك، انه يمنح المؤهلين اعفاء مدته عشر سنوات من الإبلاغ عن المدخول في الخارج.
ولكن القانون يخالف المعايير العالمية لمكافحة تبييض الأموال، وفي كل عام في السنوات الاخيرة، يحاول وزير المالية الاسرائيلية الغائه. وكل عام، ضمن المفاوضات حول قانون الترتيبات، يتم احباط محاولة الغائه، ما يعرض اسرائيل لخطر ان تضاف الى قوائم عقوبات دولية حول مكافحة تبييض الأموال.
وقد قالت كل من وزارة المالية الاسرائيلية ومراقب الدولة أن القانون، حتى في صورته الحالية، يحجب ملايين الشواقل المحتملة من خزانة الدولة سنويا، وانه يساعد اسرائيل بالإزدهار كملاذ ضريبي ولا يشجع الـ”عاليا”. ومع ذلك، تضمن ما يصفه مسؤولين “بيد خفية” كل عام بأن يبقى الاعفاء جزءا من ميزانية الحكومة بالرغم من رغبات الخزانة.
وقال ماندلبليت أن نتنياهو طلب مرتين من وزير المالية الاسرائيلي حينها يئير لبيد عام 2009 حول توسيع احكام القانون، وسأل تحديدا ما هي التغييرات الضرورية من اجل تمكين ميلشان، وهو أيضا من اصدقاء لبيد، الانتفاع بأكبر قدر ممكن. وقال المستشار القضائي أن نتنياهو كان يعمل بطلب من ميلشان.
وقال ماندلبليت انه كان يمكن لميلشان توفير ملايين الدولارات إن لم تحبط الخزانة ما اصبح معروفة بإسم “قانون ميلشان”.
والتدخل الثاني الذي قام به نتنياهو من أجل ميلشان، ادعى ماندلبليت، كان محاولات متكررة لمساعدته في الحصول على تأشيرة اقامة في الولايات المتحدة عبر التوجه الى وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري بخصوص المسألة ثلاث مرات عام 2014، بالإضافة الى التوجه الى السفير الامريكي الى اسرائيل حينها دان شابيرو عدة مرات.
وفي إحدى الحالات، قال ماندلبليت، جاء ميلشان الى مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي في القدس المحتلة، وبينما تواجد هناك، اتصل نتنياهو لكيري لتباحث التأشيرة.
ولم يصبح المنتج الهوليوودي المولود في اسرائيل ميلشان (72 عاما) مواطنا امريكيا، ولكنه كان يحصل على تأشيرات اقامة مدتها 10 سنوات. ولكن في عام 2013، اجرى مقابلة مع القناة الثانية الإسرائيلية اقر بها بالعمل في الماضي لصالح المخابرات الإسرائيلية. وفي اعقاب ذلك، قالت القناة الثانية، لم يعد يحصل ميلشان – الذي انتج افلام مثل Fight Club، Pretty Woman، LA Confidential، 12 Years a Slave وThe Big Short – على تأشيرات لمدة 10 سنوات، بل يضطر الآن طلب تمديد بشكل سنوي.
وأقر نتنياهو بالطلب من كيري التدخل من اجل اعادة التأشيرات لعشر سنوات، ولكن ادعى أن ذلك لا يخص الهداسا، وانه قام بخطوات مشابهة من اجل اخرين.
وقال ماندلبليت إن مبادرات نتنياهو كانت العامل المقرر في تجديد التأشيرة.
وأخيرا، بخصوص القضية 1000، ادعى ماندلبليت أن نتنياهو قام بتدخلات كبيرة ساعدت ميلشان في محاولته امتلاك جزء كبير من القناة الثانية التي تم حلها.
وقبل فصلها الى قناتين منفصلتين، كانت شركتين تشغل القناة الثانية، “ريشيت” و”كيشيت”. (“كيشيت” تشغل الآن القناة 12 بينما “ريشيت” تشغل القناة 13.) وقال ماندلبليت انه بحسب خطة نتنياهو ميلشان، كان من المفترض أن يدخل المنتج الهوليوودي شراكة مع “ريشيت”. وبعدها، يعتقد أن ميلشان خطط الدمج بين “ريشيت” و”كيشيت”.
وقال ماندلبليت إن نتنياهو ساعد بحصب الافتراض بتعيين عدة لقاءات بين ميلشان ومستثمرين معنيين، وطلب من مدير عام وزارة الاتصالات حينها دوري فيلبر، الذي أصبح شاهد دولة في القضية، ان يساعد في دفع المسألة قدما.
وبنا على هذه الخطوات و”تضارب المصالح الخطير” النابع من الهدايا التي قدمها ميلشان لنتنياهو، قال ماندلبليت ان رئيس الوزراء “الحق اضرار بصورة العمل الحكومي عبر… الحفاظ على علاقة محظورة طويلة المدى”.
وأشار ماندلبليت الى نشاطات نتنياهو “الاستثنائية” في الطلبات التي قدمها الى وزارة الخارجية الامريكية، وزير المالية ومدير عام وزارة الاتصالات.
“لقد استغليت، بحسب الافتراض، منصبك ومكانتك في نشاطاتك، والحقت اضرار كبيرة وخطيرة باستقامة الادارة العامة، نزاهة الموظفين الحكوميين وثقة الجماهير بالموظفين الحكوميين”، ادعى المستشار القضائي.
القضية 2000: ’أضرار خطيرة لثقة الجماهير’
في القضية 2000، التي تدور حول اتهامات باتفاق نتنياهو مع ناشر صحيفة “يديعوت احرونوت” ارنون موزيس حول إضعاف صحيفة منافسة مقابل تغطية اكثر إيجابية في “يديعوت”، ينوي ماندلبليت اتهام رئيس الوزراء الاسرائيلي بخيانة الأمانة، بينما يتم توجيه تهمة الإرتشاء الى موزيس. وورد ان القضية اثارت جدلا في مكتب ماندلبليت، وان العديد من مسؤولي الادعاء قالوا انه يجب اتهام نتنياهو بالارتشاء، بينما درس ماندلبليت احتمال عدم توجيه اي تهمة لرئيس الوزراء.
وبحسب الاتفاق المفترض بين موزيس ونتنياهو – الذي لم يتم تطبيقه – قال رئيس الوزراء الاسرائيلي انه سوف يقدم تشريعات لتحديد انتشار صحيفة “يسرائيل هايوم” إن يطلب موزيس من صحفيين وكتاب مقالات رأي تغيير مواقفهم السلبية عادة اتجاه نتنياهو، ادعى ماندلبليت.
ومنذ عام 2009، “عقد نتنياهو وارنون موزيس محادثات ولقاءات شخصية تباحثا خلالها مساعدة أحدهم الآخر في صفقة مقايضة لدفع مصالحهما”، كتب.
وقال ماندلبليت ان نتنياهو عرض دعمه لإجراءات محتملة تشمل اغلاق صحيفة “يسرائيل هايوم”، المساعدة في تقييد انتشار الصحيفة، والغاء نسخة نهاية الاسبوع التابعة للصحيفة. ولم يتم المصادقة على القانون، نظرا لحل الحكومة والتوجه الى الانتخابات عام 2015.
اضافة الى ذلك، “اتخذ الطرفين خطوات فعلية لدفع مصالح الاخر استمرارا للتفاهم الذي توصلا اليه، أو على الأقل اظهرا للطرف الآخر انهم يعملون بهذا الشكل”، كتب المستشار القضائي.
وعادة تعتبر صحيفة “يديعوت”، إحدى أكبر الصحف في البلاد، منتقدة لنتنياهو.
وبحسب ماندلبليت، عرض موزيس، مقابل مساعدة رئيس الوزراء الاسرائيلي، على نتنياهو “خط مباشر” لمحرري كل من صحيفة يديعوت وموقع “واينت” التابع لها، اكبر مواقع الاخبار الإسرائيلية، وقال له انه يمكن “ان يكون لديه تأثير مباشر على المقالات حوله”.
وقال ماندلبليت انه سوف يسعى لتوجيه تهمة الإرتشاء ضد موزيس ولكن تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة فقط ضد نتنياهو. ومع ذلك، اتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي “بإلحاق اضرار خطيرة بثقة الجماهير”، عبر اجراء “مفاوضات مفصلة وواسعة النطاق” مع موزيس حول عرضه بدلا من وقف المسألة فورا.
القضية 4000: ’علاقة مبنية على الرشوات’
في القضية 4000، التي تعتبر القضية الأخطر ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي، يتهم نتنياهو بالدفع بقرارات تنظيميه تعود بالفائدة على شاؤول إيلوفيتش، المساهم المسيطر في شركة “بيزك” العملاقة للاتصالات، مقابل الحصول على تغطية ايجابية من موقع “واللا” الإخباري الذي يملكه إيلوفيتش. واعلنت ماندلبليت في هذه القضية عن نيته اتهام كل من نتنياهو إيلوفيتش بالارتشاء.
وفي اتهام لاذع، قال ماندلبليت ان نتنياهو “تدخل بشكل سافر ومستمر، واحيانا حتى بشكل يومي، في المضامين التي ينشرها موقع ’والا’ الاخباري، وسعى ايضا للتأثير على تعيين مسؤولين رفيعين “محررين وصحفيين” عبر تواصله مع شاؤول وإيريس إيلوفيتش”، زوجة مالك شركة بيزيك.
وضمن إيلوفيتش تغطية إيجابية لنتنياهو في “والا”، ثاني اكبر موقع انباء في اسرائيل، وتغطية منتقدة لمنافسي نتنياهو، خاصة في فترات الانتخابات في عامي 2013 و2015، ادعى ماندلبليت.
وفي مثال مذهل، يتهم نتنياهو بالدفع من اجل السماح لمستشاره الإعلامي، نير حيفيتس (الذي اصبح لاحقا شهد دولة) بتحرير مقابلة مع نتنياهو. وتم قبول الطلب، قال ماندلبليت.
وفي المقابل، ادعى ماندلبليت، تدخل نتنياهو في قارات تنظيمية وتجارية اخرى ادت الى حصول المليونير الإسرائيلي على حوالي 1.8 مليار شيكل.
والاتهامات بإساءة الادارة تعود الى استبدال نتنياهو جلعاد اردان كوزير اتصالات في نوفمبر 2014، بما اعتبره البعض انتزاع سلطة للحصول على سيطرة اكبر على قطاعات الإعلام والاتصالات. وقام بعدها بإقالة المدير العام حينها آفي بيرغر عبر الهاتف في مايو 2015، وعين فيلبر مكانه.
وكانت هذه الخطوة، اضافة الى اصرار نتنياهو على شمل الاتفاقيات الائتلافية عام 2015 بندا يمنحه “سيطرة حصرية” على شؤون الإعلام، تهدف لخلق مواقف فيها اقل مواجهة بخصوص “بيزيك”، ما سعى بيرغر لتقييده، قال ماندلبليت.
وتحت ادارته، بدا ان “بيزيك” تحظى بمعاملة تفضيلية.
على سبيل المثال، اطلقت اسرائيل عام 2014 اصلاح شامل لفتح سوق الهواتف الخطية والانترنت، الذي كانت تهيمن عليه شركة “بيزيك” للمنافسة. وبحسب الإصلاح المخطط، كما وصفه ماندلبليت، كان من المفترض ان تؤجر “بيزيك” حتى موعد مارس 2017، بنيتها التحتية لمنافسين من شركة “بارتنر” و”سيكوم” كي تتمكن توفير خدمات هواتف خطية وانترنت. ومع اشراف فيلبر على تطبيق الخطة، تراجعت “بيزيك” عن التزاماتها.
وكتب المستشار القضائي ان العلاقة بين نتنياهو وإيلوفيتش شكلت تضارب مصالح سافر، حيث تدخل إيلوفيتش “بفجاجة” من اجل نتنياهو في “والا”، مع التوقع، الذي تحقق، بالانتفاع تجاريا. ونتنياهو فهلا استخدم “نفوضه وصلاحياته” للدفع بمصالح إيلوفيتش، ما ادى الى تحصيل إيلوفيتش “بشكل مباشر او غير مباشر” 1.8 مليار شيقل نتيجة قرارات نتنياهو التنظيمية وغيرها.
وقال ماندلبليت انه يعتقد أن هناك أدلة كافية لمقاضاة نتنياهو لتهم تلفي رشوات، اضافة الى الاحتيال وخيانة الامانة والحصول بشكل محتال على خدمات. وقال انه يتفق مع الشرطة حول وجود “علاقة مبنية على الرشوات” بين نتنياهو ومالك “بيزيك” إيلوفيتش.
ولكن خلافا لتوصيات الشرطة والنيابة العامة الاسرائيلية، لم يقرر ماندلبليت توجيه تهم الارتشاء، الاحتيال وخيانة الامانة، او “عرقلة الاجراءات التحقيقية والقضائية” ضد سارة نتنياهو. وقد الغى ايضا تهم محتملة ضد نجل نتنياهو يئير.
أهم ما في الأمر، قال ماندلبليت ان رئيس الوزراء الاسرائيلي استغل منصبه “للدفع بشؤون شاؤول إيلوفيتش التنظيمية… تلقيت خدمات… مع العلم بأنك تتلقى رشوة كموظف حكومي مقابل نشاطات متعلقة بمنصبك”.- المصدر: “تايمز أوف إسرائيل”