لوغاريتمات انتخابات الكنيست القادمة – بقلم: علي بدران
بدأت في إسرائيل المقدمات الأولى للتحضير للمعركة الانتخابية القادمة للكنيست بعد أن بات من شبه المؤكد تقريب موعدها لتصبح انتخابات مبكّرة، على ضوء تزايد المواقف والاقتراحات الداعية لذلك، بما فيها اقتراحات من داخل حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. فكيف نقرأ المقدمات الجارية وبهدوء نسبي في إسرائيل استعداداً لجولة الانتخابات التشريعية القادمة؟
انتخابات مبكرة على الأرجح
نعم، إن الانتخابات المبكّرة للكنيست على مقربة من الأبواب، ويفترض بها أن تجري خلال الأشهر القادمة، بتبكير مقصود يحظى بشبه إجماع داخل إسرائيل، في الوقت الذي بدأت فيه مراكز الاستطلاع باستمزاج الموقف العام، وإجراء استطلاعات أولية لعينات عشوائية من الجمهور الإسرائيلي، في محاولة لالتقاط المناخ العام ومؤشراته في إسرائيل.
ومن المعروف أن الانتخابات البرلمانية للكنيست في إسرائيل تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة للتشكيلة القيادية القادمة والمسؤولة عن صناعة القرار في الدولة العبرية للمرحلة التالية، حيث يقدر للحزب الحاصل على الكتلة البرلمانية الأكبر تشكيل الحكومة وقيادة الائتلاف الحزبي، فيما تصطف القوى خارج الائتلاف في إطار قوى المعارضة كما هو حال حزب كاديما الحالي الموجود في مواقع المعارضة بعد أن كان في رئاسة الحكومة السابقة التي كان فيها حزب الليكود في موقع المعارضة بالنسبة لها.
وللموضوعية، ومن موقع تقديم الصورة كما هي، فإن الانتخابات البرلمانية في إسرائيل تجري بشفافية متقدمة نسبياً، وقلما شهدت تجاوزات أو ملاحظات أو انكسارات. وهذا لا يعني بالطبع أن المؤثرات الانتخابية بعيدة عن الناس كاستخدام المال السياسي من قبل بعض مقاولي الانتخابات لكسب قطاعات من الناس لهذا الحزب أو ذاك، أو استخدام أشكال من النفوذ التي يملكها بعض رؤساء وقادة المستعمرات والمستوطنات على سبيل المثال.
إن الاستخدام الأوفر والأفعل للماكينة الدعائية والانتخابية قبيل انتخابات الكنيست في إسرائيل يتم على قاعدة الشعار والموقف السياسي وترجماته على الأرض. فكلما استطاع هذا الحزب أو ذاك تقديم موقف يدغدغ مشاعر الجمهور استطاع أن يحصد أصواتا واسعة من القطاعات العامة للناس.
إن المثال الطازج على الاستخدام الدعائي للموقف السياسي وترجماته على الأرض، يتم الآن. فحكومة نتنياهو عزلت بسياساتها إسرائيل بحدود ما على المستوى الدولي عبر ممارساتها وتعطيلها لعملية التسوية على مسارها الفلسطيني الإسرائيلي، ومع ذلك فإن رصيد نتنياهو يتزايد على الأرض، وحظوظ حزبه الليكود ترتفع الآن وفق مؤشرات ونتائج مراكز الاستطلاع ومنها نتائج الاستطلاع الأخير الذي نشرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الجمعة الواقع في الثالث والعشرين من مارس/ آذار الجاري 2012.
استطلاعات الرأي ومؤشراتها
فنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، تتوقع حصول حزب الليكود على (29) مقعدا، وحزب كاديما (15) مقعدا، وحزب لبيد (13) مقعدا، وحزب إسرائيل بيتنا (بقيادة المتطرف اليهودي الروسي أفيغدور ليبرمان) (12) مقعدا، وحزب العمل (13) مقعدا، وحزب شاس (9) مقاعد، وحزب ميرتس (4) مقاعد. وحصول حزب أرييه درعي على (مقعدين)، وحزب الاستقلال (بقيادة الجنرال إيهود باراك والمنشق عن حزب العمل) (صفر) مقعد، وحزب يهوديت هاتوراه (6) مقاعد، وحزب البيت اليهودي (3) مقاعد، وحزب الاتحاد الوطني (3) مقاعد، الأحزاب العربية (11) مقعدا.
وفي قراءة أولية لتلك النتائج، فإن الليكود هو الحزب المتوقع له قيادة الائتلاف القادم في إسرائيل حيث باستطاعته إقامة ائتلاف يميني واسع دون أي تهديد أو تأثير من القوى التي يتوقع لها أن تعارضه سياسياً أو على المستوى الداخلي المتعلق بالمسائل والقضايا الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل.
فحزب الليكود يستطيع استيعاب الأحزاب التالية في ائتلافه القادم (الليكود + إسرائيل بيتنا + العمل + شاس + أرييه درعي + يهوديت هاتوراه + البيت اليهودي + الاتحاد الوطني) محققاً بذلك (76) مقعداً على الأقل من مقاعد الكنيست البالغة (120) مقعداً، تمكّنه من تشكيل ائتلاف مريح دون (بيضة قبان) ودون تهديد من أي طرف معارض.
هذا إذا ما تذكرنا بأن هناك أشخاصا وقيادات داخل حزب كاديما المعارض (الذي تناسل من حزب الليكود) تتقاطع عملياً مع سياسات نتنياهو، ومنهم رئيس الحزب الجنرال الفاشي المتطرف اليهودي الإيراني الأصل شاؤول موفاز رئيس الأركان السابق، المتخم بالفساد وحامل نزوات السلطة، وصاحب نظريات ورؤى سياسية تتقاطع مع برنامج اليمين العقائدي داخل حزب الليكود.
وكان استطلاع سابق للرأي، نشرت نتائجه صباح يوم الخميس الثامن من مارس الجاري 2012، وقد قالت نتائجه بأن نتنياهو وحزبه الليكود في ذروة قوتهما، وفي تصاعد مستمر بالرغم من كل الاختناقات السياسية التي عانتها إسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة من وجود نتنياهو في موقع القرار. وحسب نتائج الاستطلاع المشار إليه يتوقع أن يحظى نتنياهو وحزبه الليكود، بانتصار كبير وجارف، وأن كتلة الليكود وقوى اليمين عامة ستحصل على عدد من المقاعد يتراوح بين (75 و80) مقعداً من مقاعد الكنيست (البرلمان).
قراءة المؤشرات والنتائج
وفي القراءة المتفحصة والموضوعية للنتائج إياها التي دلت عليها استطلاعات الرأي، نبدأ القول بأن مؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي ليست باتة وقطعية وليس لها بالضرورة أن تصمد على الأرض إلى حين إجراء الانتخابات، فالمجتمع الإسرائيلي متغير ومتبدل وحاد المزاج، وتخضع مواقفه وخياراته الانتخابية للعوامل المتغيرة من يوم إلى يوم، لكن تلك المؤشرات والنتائج تبقى ذات دلالة على الغالب، ومن المؤكد أيضاً أنها تؤدي للنتائج المتوقعة ضمن حدود معقولة من التأرجح على جانبي مؤشر القياس.
ومن قراءة النتائج التي أفرزها استطلاعا الرأي المشار إليهما، نلحظ بأن المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية وداخل دولة إسرائيل بات اليوم أكثر تطرفاً ويمينية من الماضي القريب، بحيث أصبحت أجزاء كبيرة منه ترضى عن حزب كحزب المستوطنين من اليهود الروس، الذي ينضح بفجاجة شعاراته وممارساته ومواقفه البالغة في التطرف من المسائل المطروحة في المنطقة.
فحزب الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان المسمى بحزب “إسرائيل بيتنا” بات اليوم حزباً فاشياً بامتياز، وذا عقلية وتفكير شموليين، في مجتمع يتحول من يوم إلى يوم إلى أكثر تمزقاً وتعدداً في جذوره القومية (أصول قومية مختلفة لليهود) وحتى الإثنية المتأتية من بقاع المعمورة الأربع (تباينات داخل الديانة اليهودية بين يهودي سفاردين ويهودي أشكناز ويهودي فلاشمورا … وطعن بيهودية أكثر من نصف المهاجرين الروس إلى إسرائيل).
فالمُلاحظ العام، وكما تؤيد ذلك نتائج استطلاعات المراكز البحثية، يدرك أن المناخ العام في إسرائيل يميل نحو الاصطفاف خلف سياسات اليمين واليمين المتطرف بشقيه اليمين القومي العقائدي (كحزب الليكود وإسرائيل بيتنا…) واليمين التوراتي (كحزب يهوديت هاتوراه والبيت اليهودي والاتحاد الوطني ..).
فقد استطاع نتنياهو، وبسياساته المعلنة تجاه الفلسطينيين والعرب، وإصراره على مواصلة عمليات التهويد في القدس ومحيطها وداخل أحيائها العربية الإسلامية والمسيحية إشباع غرائز اليمين، واستدراج أوسع قطاعات الناس في إسرائيل لصالحه ولصالح حزبه، والتعويض على خسائره السياسية على المستوى الدولي بالنسبة لمكانة إسرائيل وانسداد أفق التسوية مع الفلسطينيين. كما في افتعاله اليومي لملف إيران النووي وإطلاقه التصريحات التي تتحدث عن قرب قيام إسرائيل بتوجيه ضربة جوية قاصمة لإيران، وتصوير الأمور وكأن الولايات المتحدة تتوسل لإسرائيل لدفعها لوقف تنفيذ أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران.
مقدمات لا تبشر بالخير
إن مقدمات الانتخابات الإسرائيلية المبكرة للكنيست والمتوقعة بعد فترة أشهر قليلة، لا تبشر بالخير بالنسبة للمنطقة وبالنسبة لعملية التسوية المتوقفة منذ سنوات على كافة مساراتها، بما فيها المساران السوري واللبناني المعطلان منذ العام 2000 عندما انهارت مفاوضات شبيرزداون في الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل.
فكل ما يجري في اسرائيل الآن يؤكد أن سطوة قوى اليمين هي المستحكمة بالشارع، وأن لغة اليمين هي اللغة المطلوبة والمسموعة لدى الجمهور الإسرائيلي مادام الخطاب العربي الرسمي المقابل خطاباً ضعيفاً وخجولاً وخطاب مناشدات أخلاقية، في وقت لم يعد فيه لتلك المناشدات الأخلاقية من إعراب (بكسر الألف) في عالم السياسة.
وفي هذه الأثناء، فإن حملات اليمين الإسرائيلي تتزايد على المستوى الداخلي لشحن الجمهور الإسرائيلي بمزيد من جرعات التطرف، وليس أدل على ذلك سوى التأييد الذي تحظاه حكومة نتنياهو في عملياتها العسكرية الإجرامية المتتالية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واستمرار الحصار الظالم الذي بات وكأنه أمر عادي جدا في مقاييس الرأي العام والمجتمع الدولي بشكل عام.
ومن المؤكد أيضاً، أن الاصطفافات والانزياحات داخل إسرائيل تسير على طرفي نقيض، فقوى اليمين الصهيوني بشقيه التوراتي والقومي العقائدي تتوسع في حضورها وفي نفوذها وسطوتها داخل المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، فيما تنزاح الأقلية المتشكلة من أحزاب ما يسمى بـ “اليسار الصهيوني” نحو ضرورة البحث عن حلول سياسية للصراع العربي والفلسطيني الصهيوني، لكنها في الوقت نفسه تضمر في حضورها وفي فعلها وتأثيرها، وتقتصر في مجموعها على فئات ومجموعات من الأنتلجنسيا اليهودية التي لاحول لها ولا قوة في مجتمع بات مشبعاً بروح الغطرسة، ومؤمناً حتى نخاع العظم بمنطق القوة وحدها لاغيرها في عصر السوبرمان الأميركي.
وخلاصة القول، إن الدولة العبرية الصهيونية مقبلة على انتخابات تشريعية في مجتمع بات ينحو أكثر فأكثر نحو سياسات التطرف، مجتمع مليء بمعادلات معقدة أشبه بالمعادلات (اللوغاريتمات) الرياضية في مجتمع معقد (إثنياً وقومياً) حيث انتماء اليهود في أصولهم لعشرات القوميات، ومع ذلك يتوقع فيها لقوى اليمين اكتساح مقاعد الكنيست الـ (120) بغالبية مُرجحة ومريحة، فيما تزداد الطلاسم تعقيداً أمام عملية التسوية.