صرخة! – بقلم : ب. فاروق مواسي
المرأة تحاذر أن تتحرك خوفًا على الجنين، هي لا تسافر، ولا تجهد نفسها في العمل البيتي، ولو استطاعت لامتنعت عن التنفس… لتعدّ أمتعته من اليوم!… لتهيئ له السرير!… لتحسب الساعات والأيام!… لتختر له اسمًا أَوْ لها لا يهم…
قصة قصيرة
لم يعكر صفو حياتهما إلا سؤال النساء إياها عن الحمل، وهل فحصها الطبيب، وماذا قال، هل إعاقة الحمل بسببها أم بسبب زوجها؟
ويأخذ الرجال يتساءلون عن سر العقم عند شابين في منتهى الصحة والجمال.
وتأخذ النساء بلسع المرأة بقارس الكلام: “شجرة لا تنفع حلال قطعها”.
وبعضهن ينصحن أن تذهب إلى الشيخ اسماعيل ليكتب: ” شمروش هـ هـ هـ 31 ……..”، وينتهي الحجاب بإبهام، ويُطبق الورقة، ويطلب أن تبلها بالماء، وتشرب بعد ذلك من الماء المقدس.
تفعل المرأة ذلك بإيمان ورضا، فالأيمان شرط من شروط الاستجابة، وقد قيل: “لو آمن أحدكم بحجر لنفعه”.
وتتردد راضية على الأطباء، خجلت أول الأمر أن تظهر وتكشف جسدها أمام الأطباء، فهُم رجال، ولكنها تعودت، والنساء كلهن لا يمتنعن عن الطب لأنهن يبغين المنفعة.
وهيهات!
يأتي دور المَنْدل:
أتِيَ بغلام صغير أمسك بيده فنجانًا من الصينيّ مليئًا بالزيت والحبر، فأخذ الشيخ يقرأ: “نقفول مرقول مرقول آه آه آه صر طاليب بقر هيا … العَجَل العَجَل الوَحا الوحا الساعة الساعه…”
ولم يحمل الغلام الصغير إجابة ملوك الجن كما وعد القارئ.
عشر سنين والمرأة تراقب موعد الحيض، فإن تأخر يومًا أو بعض يوم تهللت أساريرها، ودعت الله من الأعماق الذي لا ينسى من فضله أحدًا، واستذكرت بعض النساء اللواتي حملن بعد أن يئسن.
حتى إذا حضر “الشر” الأحمر نامت في سريرها كئيبة، والدموع تنهمر من عينيها.
تأخرت الدورة هذه المرة أكثر من أسبوع، هي و وزوجها في توجس وخوف من الشر، وتقطع شكوكها إذ يؤكد الطبيب حملها من خلال فحص البول.
إنها الفرحة تغمر أهل الدار، بعضهم أخذ يقفز بجنون.
المرأة تحاذر أن تتحرك خوفًا على الجنين، هي لا تسافر، ولا تجهد نفسها في العمل البيتي، ولو استطاعت لامتنعت عن التنفس.
لتعدّ أمتعته من اليوم!
لتهيئ له السرير!
لتحسب الساعات والأيام!
لتختر له اسمًا أَوْ لها لا يهم،
لنؤجل ذلك، “تاييجي الصبي بنصلي عالنبي”!
في مساء يوم صارحها زوجها بدون تقديم أنه يسمع أنباء وتقولات تسوءه عن سبب حملها.
– حملتْ بواسطة إبرة ….. والحمل كان اصطناعيًا.
– هذا حمل غير طبيعي، سبحان الله لا تنفع الرّْقى ولا ينفع الأطباء، وتحمل بصورة مفاجئة، من يدري لعلها مريم؟!
-أنا لا ” أضع في ذمتي “.
وبما أنها واثقة من نفسها، كانت تبتسم ساخرة من هؤلاء الذين لا يخلّون أحدًا من شرهم.
تضع يدها على بطنها. تراقب حركات جنينها وكأنها إيقاع، إيقاع موسيقى رائع، تطلب من زوجها أن يتحسس بطنها (فطالما تمنى ذلك) … لكن الزوج يُعرض عنها، ويصمت…..
تبقى واثقة من نفسها، تعاتبه بدلالها الذي يحبه، والزوج يصمت،
صمته لا يحمل أي معنى، لا للغضب… ولا للفرحة ….حتى ولا للتساؤل.
وتمضي الشهور والزوج ما زال صامتًا…
يهلّ الطفل على العالم…
يصمت الرجل…
تصمت المرأة إلى الأبد…
والطفل يصرخ،
يصرخ، يصرخ،
يصــــــــرخ…